هل تريد كمبيوتر بعشرة دولارات؟ ـ د. محمد سعد أبو العزم
إذن فلتسافر فوراً إلى الهند.. فعندما تعلن الحكومة اليابانية أنها تدرس التجربة الهندية في التعليم، وتخشى من تفوق الهند عليها كقوة علمية واقتصادية فهو أمر يستحق أن توقف عنده كثيرا.
دعوة كريمة تلقيتها من وزير التعليم الهندي بولاية "تاميل نادو" لحضور فعاليات منح شهادة الجودة لمدرسة تقع في أفقر قرى الولاية، لم تكن المفاجأة في الحفاوة البالغة والاستقبال الرسمي، ولا في الإمكانيات المتواضعة التي رأيتها ووصلت إلى درجة جلوس فصول كاملة من الطلاب على الأرض لعدم وجود مقاعد كافية، بقدر ما كانت المفاجأة في المستوى العلمي المتميز، والأسلوب الرائع في التعليم، الذي يعتمد على توصيل المعلومة بشكل جذاب للطالب، بعيدًا عن أسلوب التلقين والحفظ الذي نشتكي منه دومًا. كانت المناسبة فرصة لأتعرف عن قرب على نظام التعليم الهندي، وهو النظام الذي يستحق أن نقترب منه أكثر لنفهم مميزاته التي خرجت باقة من العباقرة في مختلف بلدان العالم، وجعلت دولة مثل اليابان التي كانت دائمًا ما تتفاخر بأنها أكثر البلاد تقدمًا، تبدي قلقًا من أن الهند بدأت في التفوق عليها، وأصبحت القوة العظمى الصاعدة في مجال التعليم. ولم يعد سرًا أن المكتبات اليابانية صارت تزدحم بكتب تحمل عناوين مثل «تدريبات الرياضيات الهندية» و«الأسرار غير المعروفة للهنود»، كما خرجت الصحف اليابانية بالعديد من التقارير التي تتحدث عن ظاهرة الأطفال الهنود الذين تظهر عليهم علامات النبوغ المبكر، ووصل الأمر أن المدارس الدولية الهندية في اليابان شهدت زيادة كبيرة في طلبات الالتحاق من أطفال الأسر اليابانية.
منذ أن حصلت الهند على الاستقلال بدأت تبذل جهوداً جبارة لكي تعيد بناء نظامها التعليمي، مما اقتضى نضالاً عنيفاً ضد متناقضات عديدة منها: الكثافة السكانية العالية جداً، وعجز أولياء الأمور متوسطي الدخل عن إلحاق أبنائهم بالمدارس، يضاف إلى ذلك قلة عدد المدرسين المؤهلين والمعدات الفنية، كما كان تباين الظروف الاجتماعية والاقتصادية وتعدد اللغات عقبات اقتضت مجهوداً مضاعفاً من أجل تخطيها، وبرغم كل هذه الصعوبات إلا أن الحكومة الهندية وضعت التعليم كأولوية أولى تستحوذ على 6% من إجمالي الدخل القومي للهند، وبدأت الدولة في تبني سياسة قومية تهدف لتحسين نوعية الخدمة التعليمية، ووصولها إلى قطاعات عريضة من الجماهير، فالتزمت الحكومة - بموجب الدستور- بالتعليم الإلزامي المجاني لكل أطفال الهند من سن 6 سنوات إلى سن 14 عاماً، وعلى الأخص الأطفال الذين ينتمون إلى الفئات الفقيرة، بالإضافة إلى الاهتمام بتعليم الفتيات بوصفهن أكثر الفئات حرماناً من التعليم، وكذلك تعزيز التراث الثقافي الهندي.
وقد نجحت تلك الخطة في خفض نسبة المتسربين من التعليم الابتدائي لتصل إلى أقل من 10% وتصبح الهند ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد الطلاب الملتحقين بالتعليم الابتدائي، حيث يبلغ عدد المقيدين في التعليم العام ما يزيد عن 179 مليون طالب وطالبة، يتم منحهم جميعا وجبة غذاء حقيقية يومياً بهدف تشجيع الآباء على إرسال أبنائهم للمدرسة. كما أولت السياسة القومية للتعليم اهتماماً كبيراً بالتعليم المهني، حيث تم التعاون مع بعض الوزارات مثل وزارة السكك الحديدية ووزارة الصحة للتركيز على حاجات هذه الوزارات من المهارات المختلفة، لتلبي حاجاتها من العاملين المدربين من خريجي هذه المدارس. ومن بين 343 جامعة هندية توجد 15 جامعة رئيسة تم إنشاؤها بواسطة الحكومة، وبالتحديد لجنة الجامعات الكبرى من أجل أهداف تنموية، أما الجامعات الأخرى فتديرها الولايات الهندية التي أنشأتها وتقوم بتمويلها، وأغلب الجامعات تتمتع بالاستقلال الذاتي في تنظيم العمل الإداري داخل إداراتها والكليات التابعة لها، فهي تضع معايير الالتحاق بالكليات المختلفة، وتنظم الاختبارات بها.
طموحات الهند لا تنتهي.. فآخر ما عرفته هناك أن الحكومة الهندية بدأت بالفعل في إنتاج أرخص كمبيوتر محمول في العالم، وسوف يباع فقط بعشرة دولارات ليتمكن جميع التلاميذ في الأرياف من اقتناؤه، ويحدث كسر للفجوة المعرفية في البلاد بين الأغنياء والفقراء، ويأتي هذا الاختراع في إطار "مهمة التعليم الوطنية" الجديدة بكلفة 46 مليار روبية هندية، وهو يمثل حجر الزاوية في برنامج تعليم إلكتروني طموح لربط 18 ألف كلية في أنحاء الهند، من خلالها سيتمكن الطلبة من الوصول إلى المحاضرات والدورات والمساعدة المتخصصة من أي مكان في الهند، ويتوقع له أن يشعل شرارة ثورة في التعليم الهندي.
وأخيرا.. أذكركم مرة أخرى بما نقلته جريدة الشرق الأوسط، عندما وجه الأمير طلال بن عبد العزيز سؤالا لرئيس وزراء الهند عن كيفية تأمين المعيشة والعلاج والتعليم لهذا العدد الهائل من السكان؟ فكان جواب رئيس الوزراء الهندي ببساطة، "لم يعد المولود الجديد عبئاً إضافياً لدينا فمظاهر الجهل والكسل والارتخاء في أشعة الشمس تنقرض الآن، لقد اكتشفنا يا صديقي شيئاً اسمه العلم، ونحن نصدّر إلى الدول الأخرى الآن، بما فيها أميركا وكندا وأستراليا، الأطباء المتفوقين والمهندسين المتفوقين وخبراء المال المتفوقين، والآن تنتقل إلينا شركات أوروبا ومصارفها ومصانعها، لأننا نقدم لها هنا العلم واليد العاملة الرخيصة، إن أبناءنا يشغلون الآن أماكن موظفي البنوك الأوروبية وشركات الاتصالات، لقد اكتشفنا العلم ومن دونه سوف نظل بلداً يأكله الفقر
سيف الحياء سيف الحياء
نقاط : 18289 التقيم : 13
موضوع: رد: التعليم في الهند الأربعاء 9 سبتمبر - 15:47