يحتاج الإنسان في كل الأعمار أن يري صورة جميلة لذاته تنعكس في عيون من يحب ، وهي حاجة فطرية تولد مع الطفل ، وفي تجربة شهيرة أراد بها أحد علماء النفس أن يحدد مدي أهمية العاطفة قام بفصل مجموعتين من المواليد مجهولي النسب في حجرتين في المستشفي ، في الحجرة الأولي كانت الممرضات تعني بالأطفال وتقدم لهم الغذاء في موعده وفي أثناء ذلك تلاعبهم وتحملهم وتحنو عليهم كما تفعل الأم ، في الحجرة الثانية كانت الممرضات تعطي نفس الرعاية بالضبط ولكن دون عاطفة فتعطيهم طعامهم وتعني بهم في صمت .
كانت النتيجة مذهلة ففي حين نما أطفال العاطفة نموا سليما سويا ، فقد ذبل أطفال التجاهل وتساقطوا موتي الواحد تلو الآخر وبعد أيام كانوا قد ماتوا جميعا ، ماتوا بسبب الحرمان من العاطفة والتواصل البشري .
يظل الحال علي ذلك علي مدار العمر ، تشقي الأم في خدمة أولادها ويرضيها منهم نظرة الحب والعرفان ، ويتعب الأب وينفق من كده وتعبه في سبيل كلمة ( أبي ) تنطقها شفاه محبة صغيرة ، والمودة والرحمة هي الأساس الذي ارتضاه ربنا سبحانه وتعالي لقيام الزوجية بين رجل وامرأة كانا بالأمس غريبين وصار بينهما ميثاقا غليظا .
رغم التقدم المادي والتكنولوجي الذي وصلنا إليه اليوم إلا أن الكثير من الأسر صارت تتجاهل العاطفة وتبخل بها ، ربما بسبب الانشغال وكثرة المسئوليات وربما بسبب الاعتقاد الخاطئ أن ذلك من أصول التربية الحازمة ، فينشأ الصغار في حالة حرمان من الحب والتقدير ، دائما أوامر ونواه جافة ، وتأنيب علي ارتكاب الخطأ ويذهب الطفل للمدرسة فيجد ما هو أسوأ حيث صارت المدارس مع التكدس والانهيار التعليمي بمثابة مؤسسات عقابية ولم تعد أبدا تربوية .
ينشأ الشاب أو الفتاة وهويري لنفسه صورة سلبية سيئة في عيون من حوله ، يتهمونه بالإهمال والكذب والكسل وو ، ولا أحد يقول له أنت مميز في كذا ، ولا أحد يرشده ويأخذ بيده ليكون مميزا ، في نفس الوقت يري الحب علي الشاشة وفي الأغاني فيتوق إليه ، وفي الجامعة يكون المجال متاحا لتعويض الحرمان والإحساس بأن هناك من يقدر ويهتم ، حالة البنات تكون أسوأ لتكوينها العاطفي ورغبتها في الإحساس بقيمة جمالها ،وللأسف مع ضعف الوازع الديني وافتقاد القدوة الصالحة والرغبة في تقليد النموذج الذي امتلأت به الذاكرة من ساعات المشاهدة الطويلة أمام التلفزيون تتحول الجامعة إلي ساحة لتسول الحب الفاسد والتظاهر بمشاعر زائفة وتسميع مقررات تلفزيونية تم حفظها عن ظهر قلب واسألوا أساتذة الجامعات عما وصل إليه الحال اليوم .
مسئولية الأهل كبيرة بتحصين الفتاة بالحب والتقدير ،والرابطة القوية مع أسرتها التي تجعلها تخاف علي سمعتها ، وكذلك تقوية الدافع الديني والأخلاقي الداخلي ممثلا في تربية الضمير ، وغرس فضيلة الرضا والتوكل علي الله وعدم تعجل الحصول علي غنائم الحياة الدنيا ، وإيجاد بدائل مفيدة وجذابة للتلفزيون مثل العمل التطوعي مع المؤسسات الخيرية في الاجازات وتعلم اللغات وحفظ القرآن الكريم ، أما الشاب فأمامه مجالات أوسع كثيرا مثل العمل والرياضة والسفر .
القدوة أيضا شيئا هاما ، فماذا يفعل الشاب إذا رأي الرجل الكبير المتزوج والذي صار أولاده رجالا لا يتورع عن انتهاز أية فرصة سانحة لملاحقة امرأة أيا كان وضعها ؟ أو لاحظ أن ( انتهاز الفرص ) بصفة عامة هو من الأخلاق التي تمجدها الأسرة في مختلف المجالات ، أو كان ( موت التعاطف ) مع الآخرين صفة سائدة لديهم مما يجعله يستسيغ أن ينساق مع فتاة ارتمت عليه ليتسلي بها ويتلاعب .
الأخلاق أعمق من أن تترجمها الكلمات ، لذلك لا عزاء لمن يعتبر أنه أدي ما عليه تجاه أبناؤه لأنه نصحهم بالكلام فقط ، الأبناء يستشفون ما وراء الكلام ببراعة ويعرفون حقيقة ما تخفيه نفوس المربين وهذا هو ما يؤثر فيهم حقيقة ، ولمن شاء أن يصلح أولاده عليه أن يصلح أولا نفسه .
مايحتاجه الأبناء بشكل أساسي بيت دافئ تشيع فيه المودة والرحمة والتدين الوسطي الذي يطابق الفعل فيه القول، وعيون الأهل المحبة التي تقول للبنت بالذات أنت في نظري أميرة الفتيات وست البنات ،الفتاة التي لديها ثقة في عالم خير ونفس طيبة مشبعة بالرضا وأمل في مستقبل أفضل ، لن تتسول الحب ولن تهرب إليه .
Emanelkodosi2@hotmail.com
الموضوع للكاتبه أيمان القدوسي